التربية بالإقناع!
تربية العبيد..لا لن تأكل بملابسك..
اذهب أولاً واخلع ملابسك ثم تعال لتأكل معنا..
الطفل: لماذا.. ولكني لا أريد أن أخلع ملابسي.. إنني جائع جداً لن أستطيع الانتظار..
الأب في حسم: ألم أقل لك اذهب واخلع ملابسك هيا اذهب فوراً.. وإلا سوف أضربك..
وفي هذه اللحظة يذهب الطفل وعليه علامات الضجر والغيظ وهو يحرك شفتيه بكلمات السخط والاعتراض... ولكنه في النهاية نفذ الأمر!
تربية الإقناع..يا بني.. اذهب واخلع ملابسك قبل أن نتناول الطعام..
الطفل: لماذا يا أبي.. إنني جائع ولن أستطيع تحمل الجوع..
الأب: يا بني.. إن هذه ملابس الخروج وإننا سنذهب إلى أولاد عمك في المساء.. ولا نريدك أن تحرم من الذهاب معنا بسبب ملابسك المتسخة.. لأنك لا تملك ملابس نظيفة غيرها اليوم.. وليس هناك وقت كي تقوم أمك بغسل غيرها..
الطفل: ولكني لست صغيراً حتى أسقط الطعام على ملابسي..
الأب: بالتأكيد أنت كبير ولذلك لا بد أن تكون حذراً. إن الكبير هو الذي يكون دائماً على حذر أما الصغير هو الذي لا يبالي ويكون متهوراً دائماً.. وهاهو أبوك الكبير قد خلع ملابسه ولبس ملابس البيت قبل أن يبدأ في الطعام، لأنه لا يضمن أن يسقط الطعام عليه من حيث لا يشعر..
الطفل: حسناً سوف أخلع ملابسي ولكن انتظروني..
الأب: بالتأكيد نحن في انتظارك..
وفي هذه اللحظة يقوم الطفل ويخلع ملابسه ويلبس ملابس البيت ولكن دون ضجر أو ضيق أو سخط أو اعتراض.. وهو في النهاية نفذ الأمر.
التربية بالإقناع منهج قديم..
إننا إن تأملنا خطاب القرآن لوجدنا أنه يعلمنا كيف نربي أبنائنا بمنهج الإقناع لا بمنهج القهر والاستبداد..
فتأمل خطاب كل الآباء في القرآن لأبنائهم ستجد أنهم لم يكونوا أبداً يستخدمون معهم إلا أسلوب الإقناع لا أسلوب القهر الفكري..
فها هو يعقوب عليه السلام عندما نصح ابنه يوسف قال له: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، وعندما نصح بنيه بعد ذلك: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.
ثم هاهو لقمان يعظ ابنه وينصحه بخير أسلوب وهو أسلوب الإقناع: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}.
بل إبراهيم عليه السلام أيضاً وهو يخاطب ابنه بأصعب خبر يقول له: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.
وهذا حوال نوح عليه السلام مع ولده: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}.
فإننا إن تأملنا هذا الأسلوب القرآني الفذ لتعلمنا حقاًَ كيف نحاور أطفالنا وكيف نخاطبهم مخاطبة الكبير للكبير لا مخاطبة الكبير للصغير.. نعم نحن نفهم عنهم ونعقل الكثير عنهم، ونحن أعلم بما فيه مصلحتهم ولكن هذا لا يعطينا الصلاحية لأن تكون تربيتنا لهم بالقهر والتعسف.
الإقناع ضرري لبناء شخصية الطفل في الواقع لو قمنا بتسجيل حوارنا مع أبنائنا طوال اليوم لوجدنا أن أغلبيته أوامر صادرة منا إليهم لأداء واجباتهم اليومية ولن يزيد هذا الحوار عن هذه العبارات ( أسرع في ارتداء ملابسك، قميصك متسخ اذهب وارتدِ غيره، إنه طعامك، اجلس بطريقة صحيحة، اذهب ومشِّط شعرك المنكوش، رتِّب ألعابك، ابدأ في واجباتك المدرسية، اترك أختك، اذهب إلى النوم).
حواراتنا مع أطفالنا كلها أوامر، ولا يوجد حوار إقناعي واحد.. والحقيقة أن الطفل لا يتعلم إلا بالإقناع ولا يستجيب إلا بالإقناع.. ونحن نستخدم الأسلوب الذي نظن في أنفسنا أنه الأسهل والأسرع ولكنه إن كان سهلاً في البداية فسوف يورث مشاكل معقدة في النهاية..
فهذا الطفل الذي لا يستجيب إلا بالأوامر لن يستطيع أن يكون مبادراً بذاته بل سوف ينمو في نفسه نوعاً من الخبث ومحاولات التهرب مادام بعيداً عن الرقابة المباشرة، أما الطفل الذي يتربى بالإقناع فسيكون عنده مبادرة ذاتية لترك الأخطاء، وستكون نفسه نبيلة تظهر مثلما تبطن، وتغير نفسها ومن حولها حتى وإن لم يكن هناك دافع خارجي من الآباء أو غيرهم.
الإقناع لا يعني التسيب..وأخيراً فإننا عندما ننبه على أهمية هذا الأسلوب وهو أسلوب الإقناع لا نعني ألا يحرك الآباء ساكنا عندما يعند الأطفال ويرفضوا الاستجابة لأوامرهم فيرفضوا عقابهم وذلك تحت مبدأ الإقناع خير وسيلة للعلاج، فنحن بالتأكيد لا نقصد ذلك، ولكن نقصد أن يكون الإقناع هو الأصل، ولكن إذا رفض الطفل الاستجابة بعد مرات عديدة من الإقناع مع عدم وجود أسباب تمنعه من الاستجابة ففي هذه الحالة لابد من العقاب.